دراسات
إسلامية
التصوير
والإرشادات الغيبية والعلمية
في القرآن
الكريم
(2/2)
بقلم :
الأستاذ محمد قطب عبد العال
** ولننظر إلى السياق القرآني الذي وردت فيه الآيتان في سورة نوح ، فالسياق يشير إلى نعم الله سبحانه على خلقه ، ويدعو إلى التدبر في آثار القدرة الإلهية والرحمة الربانية في الكون .
**
قال تعالى : ﴿مَالَكُمْ لاَتَرْجُوْنَ للهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ
أطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا *
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيْهِنَّ نُوْرًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللهُ
أنْبَتَكُم من الأرْضِ نَبَاتًا * ثـُمَّ يُعِيْدَكُمْ فِيْهَا وَيُخْرِجَكُمْ
إخْرَاجًا * وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ الأرضَ بـِسَاطاً * لِتَسْلُكُوْا مِنْهَا
سُبُلاً فِجَاجًا﴾(1)
*
الآيات تذكير بنعم الله .. وقد وردت في قصة نوح ..
وبدأت
الآيات بأسلوب يتضمن التوبيخ .. في تعجب من أمر هؤلاء المعاندين الذين دعاهم نبي
الله نوح إلى التوحيد والهداية فواجهوه بالعناد والكفر .. فجاء التساؤل المصحوب
بالدهشة والتعجب ليبين أن هؤلاء القوم لايخافون عظمة الله وسلطانه : قال ابن عباس
في معنى الآية : أى مالكم لاتعظمون الله حق عظمته :
*
إن قصة نوح تجربة من تجارب الدعوة ، وشوط من أشواط المعركة الخالدة بين التوحيد
والكفر. كما أنها تكشف عن عناية الله ورحمته بالإنسان ، وكذلك الجهد المضني من
حملة الرسالة في تبصير البشرية الضالة .
وهذه
التجربة المريرة التي مرَّبها نوح مع قومه تُعْرَضُ على رسول الله ﷺ
فيرى فيها صورة من الكفاح لإقرار الحق من جانب ، وصورة العناد من جانب آخر ..
وتحمل البشري للمؤمنين ممثلة في عناية الله بالقلة المؤمنة ، كما تحمل الإنذار
بالمصير السيئ للمكذبين الضالين ..
..
والآيات فصل في قصة نوح مع قومه .. وهي توجه أنظار القوم إلى آيات الله ونعمه في
النفس والكون المحيط بهم .
والآية
الأولى : التي ذكرهم بها نوح تتضمن قوله تعالى ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ
أَطْوَارًا﴾ ومقصود الأطوار هو تطور خلق الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة
إلى هيكل إلى خلق كامل ..
وهذه
المراحل التكوينية للإنسان وردت مجملة في الآية 0 ولكنها جاءت مفصلة في آيات كثيرة
.. وفي هذا الإجمال والتفصيل ما يشير إلى الحقائق العلمية التي أكدها العلم الحديث
في مختبراته وبوسائله العلمية الدقيقة ..
قال
تعالى ﴿فَلْيَنْظُر الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَّاءٍ دَافِقٍ﴾(2)
. والماء الدافق هو المني .. والمني يحمل ملايين الحيوانات السابحة فيه .. وبين
هذه الملايين .. يدور سباق رهيب إلى البويضة الأنثوية للقاحها .. ولايصل إليها إلا
حيوان منوي يعلق بها .. ومن ثم جاءت المرحلة الأولى – النطفة ، ثم يخرج من النطفة
(العلق) .. ذلك الحيوان المنوي الذي يعلق ببويضة المرأة ويمتص غذاءه منها ، وحين
يتم التلقيح تتعلق البويضة بجدار الرحم وتبدأ في امتصاص غذاءها .. قال تعالى ﴿خُلِقَ
الإنْسَاُن مِنْ عَلَقٍ﴾ وفي اللغة : (العلقةُ دودة في الماء تمص الدم
والجمع عَلَقٌ وعَلِقت المرأة حبلت . والعُلَّيق : نبت يتعلق بالشجر. وأعلق أظفاره
في الشيء أنشبها.(3)
ومن
ثم فإن الحيوان المنوي يعلق بالبويضة وينشب بها ويستمسك .
...
ثم تصبح العلقة في نموها وتطورها كقطعة من لحم قدرما يمضغ لم تتشكل بعد .. وهو ناتج
عن الانقسام والتطور من خلق إلى خلق .
قال
تعالى : ﴿فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ ..
ثم
يبدأ تطور الجنين في مراحله التالية ..
قال
تعالى : ﴿فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا﴾.
(إن
المضغة ليست لحمًا بل هي خلايا متلاصقة وظيفتها تكوين اللحم والعظم والجلد والشعر
والأسنان وكل ما يكوّن الجنين من أعضاء وأحشاء)(4) ولقد ثبت علميًا أن
العظام تنشأ بعد تطور المضغة مباشرة ، وأول ما ينشأ منهما هو العمود الفقري والجزء
المركزي من هذا العمود .
وهذه
الحقيقة لم تعرفها البشرية إلا بعد نزول القرآن الكريم بقرون طويلة ..
..
وبعد هذه المرحلة يبدأ اللحم في تشكله فيكسو العظام ..
قال
تعالى: ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾ .
فاللحم
ينشأ بعد العظام ..
والتطور
مستمر ومتتابع يفيده حرف الفاء .. حتى يتخلق الجنين خلقًا كاملاً .. وهو يحتاج إلى
زمن لتخلقه .. وتمام تكوينه .
قال
تعالى : ﴿ثـُمَّ أنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾..
..
وهكذا فإن الآية القرآنية المجملة .. والآيات الأخرى المفصلة .. قد وصفت وصفًا
دقيقًا تطور خلق الجنين من أول لحظة من الحمل حتى يخرج إلى الدنيا إنسانًا كاملاً
سويًا .. والآية تشير إلى حقيقة علمية ثابتة .. وهي إشارة إلى وجه من وجوه الإعجاز
القرآني ..
يقول
سيد قطب في وقفته أمام الآيات من سورة نوح .
(ويمكن
أن يكون مدلولها ما يقوله علم الأجنة، من أن الجنين في أول أمره يشبه حيوان الخلية
الواحدة . ثم بعد فترة من الحمل يمثل الجنين شبه الحيوان المتعدد الخلايا ، ثم
يأخذ شكل حيوان مائي ، ثم شكل حيوان ثديى . ثم شكل المخلوق الإنساني . وهذا أبعد
عن إدراك قوم نوح . فقد كشف هذا حديثًا جدًا)(5)..
الآية
الثانية : بعد أن وجه نوح قومه إلى النظر في أنفسهم ، وجههم إلى كتاب الكون
المفتوح .. للتأمل والتدبر في دلائل القدرة والوحدانية .
لقد
طالب نوح قومه أن يتملوا عظمة القادر، وينظروا في اعتبار وتفكير وتدبر إلى أن الله
خلق سبع سموات ، متطابقة بعضها فوق بعض في إتقان بديع .. وجعل فيها القمر منوِّرًا
لوجه الأرض فيخفف من ظلمة الليل ، كما جعل الشمس سراجًا يستضيء به أهل الدنيا .
ودلالة اللفظ توضح المعنى.
ولما
كان نور الشمس أشد وأتم ، وأكمل في الانتفاع من نور القمر عبر عن الشمس بالسراج
لأنه يضيء بنفسه ، وعبر عن القمر بالنور لأنه يستمد نوره من غيره ، ويؤيده ما تقرر
في علم الفلك من أن نور الشمس ذاتي فيها ونور القمر عرضي مُكْتَسَبٌ)(6)..
وهذا
التوجيه يكفى لإثارة التطلع لإدراك القدرة المبدعة وهو المراد من التوجيه .
ولكن
الآية كما رأينا تتضمن فضلاً عن هذا التوجيه الإشارة العلمية .. الداخلة في إطار
علم الفلك ..
(ونحن
نعرف أن النجوم كالشمس ، أجرام سماوية تكمن فيها ظواهر فزيائية شتى نلاحظ من بينها
ظاهرة إنتاج الضوء .. فهي بذلك أجرام مضيئة بذاتها . ويتكرر في القرآن لفظ نجم
وجمعه نجوم .. والكواكب لاتضيء بنفسها وهي تدور حول الشمس .. وأحسن تعريف في
القرآن الكريم لكلمة الكوكب هو ما ورد في آية مشهورة تنطوي على معاني روحية عميقة
.. وهي ﴿اللهُ نُوْرُ السَّمـٰـوَاتِ وَالأرْضِ ، مَثَلُ نُوْرِه
كَمِشْكَاة فِيْهَا مِصْبَاحٌ ، الْمِصْبَاحُ في زُجَاجَةٍ ، الزُجَاجَةُ كَأنّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّي﴾(7). والمقصود قذف نور على جسم يعكسه (والجسم
هنا هو الزجاجة) فيجعله ساطعًا كالدر شأنه في ذلك شأن الكوكب المنير بضوء الشمس)(8)
.
..
وتمضى الآيات البينات التي وجهها نوح إلى قومه لعلهم يدركون القوة القادرة الكامنة
وراءها .. حيث وجه نوح قومه إلى النظرة في نشأتهم من الأرض وعودتهم إليها بالموت
..
ولقد
تردد – في آيات قرآنية – التعبير عن نشأة الإنسان بالإنبات من الأرض . وهو تعبير
موحٍ غاية الإيحاء ، يتخذ من التصوير أداة لإبراز المعنى المراد .
والتصوير
يعقد لنا صورة مماثلة تجمع بين طرفين .. فنشأة الإنسان كنشأة النبات .. ولقد اقترن
هذان الطرفان معًا في آيات كثيرة ..
ولعلنا
نلاحظ أن هذه الصورة الجامعة للإنسان والنبات ، ترد غالبًا في سياق نشأة الإنسان
وتطوره من مرحلته الجنينية إلى سوائه الكامل . وتربطه تصويرًا بحياة النباة وتطوره
على الأرض .
قال
تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ
فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثـُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثـُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ
ثـُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ، لِنُبَيّنَ لَكُمْ،
وَنُقِرُّ في الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلىٰ أجَلٍ مُسَمّى ، ثـُمَّ
نُخْرِجَكُمْ طِفْلاً ، ثـُمَّ لِتَبْلُغُوْا أشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ
يُتَوَفّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ
لاَيَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا . وَتَرَىٰ الأَرْضَ هَامِدَةً ،
فَإِذَا أنْزَلْنَا عَلَيْهَا الماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأنْبَتَتْ مِنْ كُلّ
زَوْجٍ بَهِيْجٍ﴾(9) .
وردت
في هذه الآية القرآنية إشارة علمية أخرى تدور حول المضغة فالمضغة المخلقة هي
الجنين، وغير المخلقة هي المشيمة .. فلا جنين بلا مشيمة وهي التي تمده بالغذاء من
دم الأم وتلازمه في الرحم وتخرج معه .
«تترتب
هذه الخلايا إلى كرتين ويزداد حجمهما بالانقسام ، وعند الخط بين هاتين الكرتين
يوجد أول شيء يمكن أن يسمى جنينًا وهو عبارة عن جسم مفلطح كُمَّثْرىّ الشكل أو
بيضاوي الشكل ويسمى بالقرص الجنيني ، وبعد عدة تغييرات يبدو كأنه دودة ثم تكبر هذه
الدودة وتكبر حتى تصير في حجم المضغة هذا هو الجزء المُخَلّقُ في الآية ﴿من
مضغة مخلقة﴾ أما المضغة غير المخلقة فهي الأجزاء الباقية من الكرتين خارج
منطقة القرص الجنيني وهي التي ستكون المشيمة (الخلاص)(10).
وتشير
الآيات الكريمة إلى أن الإنسان حين يعمر طويلاً يرتد طفلاً في عواطفه ووعيه
ومعلوماته، وفي ذاكرته التي لاتمسك شيئًا . طفلاً في أخذه الأحداث والتجارب ،
لايربط بينها رابط.. ثم يفلت من عقله ووعيه ذلك العلم الذي تخايل به وتطاول .
وتربط
الآية هنا – كما ربطت الآيات في سورة نوح – بين أطوار حياة الإنسان وبين مشاهد
الخلق والإحياء في الأرض والنبات .
فالأرض
هامدة ثم ينزل الماء عليها فتزهو وتربو.
ومرة
أخرى نعود إلى جمال التصوير القرآني في حين يرسم لنا صورة الأرض الجافة وقد تحركت
بفعل الماء حركة اهتزاز فيه التشرب ، والحركة ، والانتفاخ والتفتح ثم خروج النبات
زاهيًا جميلاً يبهج العين .
والقرآن
ينشيء تصورًا حقيقيًا في قلب المؤمن بإدراك العلاقة بين الأرض والإحياء . فالناس
الذين نبتوا من الأرض يعودون إلى جوفها مرة أخرى . يعيدهم كما أنبتهم . فيختلطون
بالتراب ، ثم ينبتهم مرة أخرى حيث الحساب والجزاء .
وهذه
الصور الحسية التي ترسم لنا حركة الحياة كلها من البدء إلى المنتهى .. تجعل القلوب
تستشعر قدرة الله وعظمته ، وتوضح حركة الحياة والبعث توضيحًا قائماً على إدراك
العلاقة بين حسيين يدركان ويقعان تحت المشاهدة والتجريب. وهما خلق الإنسان . ونمو
النبات . فالأصل واحد.. والبذرة توضع في التربة .. ويخرج الطفل كما يخرج النبات
رابيًا .. حتى إذا جاء الأجل .. عادت الأحياء إلى جوف الأرض من جديد .. لتبعث يوم
القيامة .. هذا التوجيه الحسي ، بعقد الصورة بين أطرافها .. يدعو إلى التأمل
والتدبر في قدرة الله .. والإيمان به وهو التوجيه الذي أراده نوح من قومه .
(وهكذا
يتحدث القرآن عن القرابة بين أبناء الحياة جميعًا ، فيسلكهم في آية واحدة من آياته
. وإنها للفتة عجيبة إلى هذه القرابة الوثيقة وإنها لدليل على وحدة عنصر الحياة .
وعلى وحدة الإرادة الدامغة لها هنا وهناك في الأرض والنبات والحيوان والإنسان ...
وتلتقي نواميس الخلق والإعادة ، ونواميس الحياة والبعث ، ونواميس الحساب والجزاء
وتشهد كلها بوجود الخلق المدبر القادر الذي ليس في وجوده جدال)(11)
*
ثم يوجه نوح قومه إلى نعمة إلهية أخرى وهي نعمة تيسير الحياة على الأرض فلقد جعل
الله الأرض فسيحة ممتدة وممهدة لطرائق الحياة المختلفة.
..
والآية تتضمن تصويرًا حسيًا جميلاً ، يأخذ بوسائل الإدراك البشرية ، ويقتحم مكامن
العقول المدركة ، ليحدث الهزة الإيمانية في النفوس – فهذه الأرض على امتدادها
وتنوعها .. هيأت للإنسان – بإرادة الله – حياته .. إنها تبدو في استوائها ، وتعم
الإنسان بها ، وسلوكه فيها طرقًا وتنقلاً واستقرار حياة ، كالبساط الذي يمتد ويفرض
، ويتنعم به الإنسان .. في الجبال الراسيات وفي الوديان المنبسطة، وفي الدروب
الممتدة ، وفي الانفساح الهائل ، وفي التوازن بين اليابسة والماء . مشاهدات توجه
الإدراك إلى التأمل في قدرة الله ونعمه .
«قال
الألوسي : وليس في الآيــة دلالــة على أن الأرض مبسوطة غير كروية ، لأن الكرة
العظيمة يرى كل من عليها ما يليه مسطحًا»
(12). فالأرض نعمة الله لعباده ، مذللة
لخدمة البشرية . تبدو للعين في حالة استواء واستقرار ولكنها في الحقيقة مسرعة غاية
السرعة ، ومع هذه السرعة والدوران الهائل فإنها ذلول تحافظ على ما فوقها .. فهي
تشد ما عليها أثناء حركتها الهادرة .. وذلك بفعل الجاذبية.
قال
تعالى في سورة الملك ﴿هُوَ الَّذِيْ جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ ذَلُولاً﴾
...
وكما
أن الأرض ذلول مهيأة لخدمة الحياة عامة .. فهي أيضا مثمرة مخصبة تخرج مما تحويه ما
يفيد البشر ويجعل الحياة تنمو وتستمر .
ثم
يصبح من الإعجاز هذا الإعداد الإلهي لكوكب الأرض كي يصلح لدوام الحياة إلى أن يشاء
الله .
وهذه
الأرض التي تبدو منبسطة كالبساط ، هي في الحقيقة ذات شكل كروي .. تدور حول نفسها
وحول الشمس بعد انفصالها عنها ..
قال
تعالى : ﴿وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾(13).
وقال
تعالى : ﴿وَالأرْضَ وَمَا طَحَاهَا﴾(14).
والآية
تدل على أن الأرض انفصلت عن الشمس .. وأنها انتزعت منها : ولقد ورد في اللغة أن
دحا الشيء بسطه . ودحا المطر الحصى عن وجه الأرض . أي نزعه . كما جاء في اللغة أن
طحا بمعنى بسط مثل دحا .
والله
دحا الأرض فمهدها وبسط قشرتها وجعلها صالحة للحياة والنباة . وأخرج منها الماء
والمرعى لدوام الحياة واستمرارها .
(والنظريات
الفلكية الحديثة تقرب من مدلول النص القرآني حين تفترض أنه قد مضى على الأرض مئات
الملايين من السنين وهي تدور دوراتها، ويتعاقب الليل والنهار عليها ، قبل دحوها،
وقبل قابليتها للزرع ، وقبل استقرار قشرتها على ما هي عليه من مرتفعات ومتسويات)(15).
وقال
تعالى : في سورة النازعات ﴿أخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾
. فالماء هو أساس الحياة . والحياة لاتوجد في شيء إلا إذا كان الماء فيه بنسبة ما
. ولاتوجد حياة في شيء جاف . لأن الجفاف يوقف التغييرات الكيميائية التي هي شرط
أساسي لتغيرات الجسم الحي ..
جعل
الله سبحانه الماء سببا لاستمرار الحياة وضرورة لها (فإنه سبحانه خلق الإنسان من
طين ، والطين ما هو إلا ماء وتراب . كما خلق سبحانه كل جنين في بطن أمه من إنسان
وحيوان من ماء دافق ومن نطفة أمشاج وخلق كذلك كل نبات على الأرض من تراب وماء ولم
تبدأ الحياة على سطح الأرض إلا من وجود الماء)(16) .
فالماء
أصل الحياة وسببها ، ودليل حفظها .
قال تعالى : ﴿وَجعَلْنَا مِن المَاءِ
كُلَّ شَيْءٍ حَيّ﴾(17).
والعلم
أثبت هذه الإشارة العلمية في القرآن الكــريم . فمــن الثابت أن (أصـل الكائنات
الحيــة قد تكـون في الماء .. وأن كل الكائنات الحية تتركب أساسًا من ماء)(18)
. ولقد كشفت الإشارات العلمية في القرآن ما انتهى إليه العلم في هذا المجال.
..
إن القرآن الكريم كتاب الله أنزله على محمد ﷺ
هداية للناس جميعًا . واقتضت الحكمة الإلهية
أن ترد فيه الإشارات العلمية في أسلوب موجز موحٍ لايصطدم مع المتلقى الأول ولاينفى
الحقيقة العلمية أيضًا .. تلك الحقيقة الواردة عبر مشاهدات حسية معروفة – تخاطب
المدارك العقلية .. وهذه الحقيقة العلمية المشار إليها يسَّرها الله فكشفت عن سرها
حين تحققت الأسباب وارتقت العلوم ..
وصدق
الله العظيم حين قال في محكم آياته .
﴿سَنُرِيْهِمْ
آيَاتِنَا فيْ الآفَاقِ وَفيْ أنْفُسِهِمْ حَتّىٰ يَتَبَيّنَ لَهُم أنَّه
الحَقُّ﴾..
صدق
الله العظيم
الهوامش :
(1)
سورة نوح الآيات 13-20 .
(2)
سورة الطارق الآيتان 6 ، 7 .
(3)
مختار الصحاح .
(4)
معجزة القرآن . نعمت صدقى ص 141 .
(5)
الظلال ج6 ص 3714 .
(6)
صفوة التفاسير ج3 ص 453 .
(7)
سورة النور الآية 35 .
(8)
أنظر رأى بوكاى في القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته ج4 ص 139/140 .
(9)
سورة الحج الآية 5 .
(10)
معجزة القرآن . نعمت صدقي ص 146 .
(11)
الظلال ج4 ص 2411 .
(12)
صفوة التفاسير ج3 ص 453 .
(13)
سورة النازعات الآية 30 .
(14)
سورة الشمس الآية 6 .
(15)
الظلال ج 6 الآية 30 .
(16)
معجزة القرآن ص 41 .
(17)
سورة الأنبياء جزء من آية 32 .
(18)
الإسلام والنظر في آيات الله الكونية د. محمد الشرقاوي ص 97 .
* * *
بيان الملكية
اسم
المطبوعـة : الـداعـي
الدورة
النشرية : شهريــة
الطابع
والناشر : (مولانا)
مرغـوب الرحمن
الجنسيـــة : هنـــدي
العنـــوان : دارالعلوم
، ديوبند ، يوبي
رئيس
التحرير : نور
عالم خليل الأميني
مالك
المطبوعة : دارالعلوم ديـوبنـد
أصادق
على أن التفاصيل المـذكورة أعلاه صحيحة حسب علمي واطلاعي
(
توقيع )
(مولانا) مرغوب
الرحمن
مجلة الداعي الشهرية
الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . صفر 1426هـ = مارس – أبريل 2005م ، العـدد
: 2 ، السنـة : 29.